الثلاثاء، 6 يناير 2015

دموع تحت أرتال المطر..

وعر طريقها أعاق تقدمها، إفترشت في إستسلام سطح ندوب غير ظاهرة، إنعكس عنها بريق، لمع وإختفى كأن لم يكن، أخرى حاولت كتائه في ساح وغى، دُفع إليها في غير أمر، أمن في خوفه، مستتر في قيود ساتر مؤقت يتلقى عنه بضع رصاصات.. يتسائل  هل الأمر يستحق المجازفة !

إندفعت في يأس المحاصرين خارج المدينة. رُفعت الأسوار قبل بلوغها، رايات المُتقدمين تهتز  فوق سراب الرصيف الشرقي وأبواقهم المميزة تُعلن النفير..

حواف زرقاء  لأطراف يد كبصمة سكنى سيبيريا قطعت أفكارها البائسه، مصيرها لم يختلف كثيرا عن سابقتها. الأخاديد المنتشرة في وجه العجوز إبتلعتها في صمت الرقرقة، رقرقة المجتمعين على هوامش موطن المرُتحلين، تتبعها نهنهة متألم كهمهمات الصباح بلا كفاء من نوم حول شيخ العمود في صحن الأزهر صبيحة ليلة وطء الخيول.

ﺟﺎﻥ ﻓﺎﻟﺠﺎﻥ ﻟم يعد ذلك البائس الرمزي، فقد قدرته الكبرى على نقض أنفسنا. إستجداء الرعدة في الجسد الدافئ، الدمعه الفضية على الجفون البيضاء تحت  شبيه الجليد، الغائب عن آراضينا الحاضر في طبقات قلوبنا. رفاهية الإختيار لم تعد في حقائب البؤساء، لهم تعاطف السُرج المضاءة في صقيع ليالي الشتاء، وأنسة وقع خطوات منفرد في خالي الطريق وفقط،  فيهما إنقطاع لحظي لأشد أفكارهم سوداوية

معاملات البؤس في إزدياد، تجلس في قارعة الطريق، تجاهد يوماٌ بعد يوم في إقناع ذرات النفس بالاستقرار، والدوران حولها مع جسدها المتموضع في أقل الوحدات المساحية الممكنة، أغطيتها الرثه،  تعلق أطرافها المعرضة للبرد بعبوات المناديل الورقية على امتداد الذراع وانحناء الرأس يأساً أو خجلاً وغالباً إرهاقا، لم تكف عن قبض عضلات وجهها وضم ثنايا الوجه الداله على ذهاب العمر، كانت تفعل وتنتظر ، تتمنى لو يتوقف فيض الماء المنساب  فيمنعها عناء الجهد المبذول لئلا يلحظها أحدهم فيشعر بالاشفاق نحوها. التألم لها في نظراته يسكب على جراحها الكحول. يقتلك العوز عندما يُشعرك به الآخرون.

ألطف الأقدار تتساقط من مأرب اليأس بعد إنهيار دفاعاته. تتابع اللسعات الخفيفة على الماره في جزع، تهدأ رغم البلل ! تلملم آشياءها الصغيرة في حيرة بين الفرحة الباهظة الثمن والالهاء المجاني للمتطفلين ، هكذا لن يلحظ أحدهم وجودها، لن يرى هائم موزع للنظرات الزائغه دموعها. سيهتم بالاسراع ليتقي فضول من هو أعلى منه في سلسلة القوى، هنا ستنضم ملكيتها الخاصة لدموع السماء المقسمه گأرزاق العامه وتبكي بلا خوف أو حرج.

الإنسان المار إعتاد أن يراها مثلي، إستنكاره لوجود مثلها هي تحديداً إختفى ! بثيابها السوداء الدالة على الحقبة الزمنية القادمة منها، رفيقاتها أغلبهن إفترشوا الثرى واستطاروا به من البرد، وهي مازالت على عهدها..

جهاد تنبئ به قسماتها في شقاء.

لا أعلم سبباً منطقيا جعلني أتفحصها تلك المرة رغم مروري المتكرر، أظنها لحظات الفراغ الزمني المنسية حتما بعد ساعات - ضحية التعود- ، أو الرغبة في نسيان حادث قريب.

هل دموعها  الجافة دورية بوجودها هنا خلف عمود الرصيف أم مجرد ذكرى عابرة إقتضت منحها مزيدا من البؤس فوق زادها !

تلاقى الأسى منها والعجز الساكن في صدري بعد ضربات القدر الموجعه على قلوب الصغار مثلي، غياب يد الكهل الُمربته في أناة  تمسح هموم العالم الموحش، ذكرتني بجدتي :) على غير موعد وأعادت لي إحساسي بجمال الشيخوخة بعد أن طمسها المسوخ لاعقي حذاء القاتل بالتفويض وعجلت بيوم يشيب الولدان، حين قُلت إن كان خلقي جاء على نصفين فلابد أن هناك جزء أقدم، أكبر عمرا، قادر على إحتواء الآخر، فليبكي أحدهما وليربت الشيخ فيهما.

إضافة : اللهم كن للمُعذَبين بجنودك، المأسورين فوق تلال البرد، تحيطهم جدران الوحشة والبُعد خلف أسوار الطواغيت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق